تاريخ الفيوم
|
|
لدى الفيوم تاريخ مثير للاهتمام يرتبط بوظيفتها كـ"وادي النيل المصغر" أو كحديقة تقوم بدور زراعي مهم للغاية في مصر. شهدت الفيوم وجود مستوطنات بشرية منذ العصر الحجري الجديد، فيوجد العديد من التحف في هذه الواحة المهمة. لقد كانت في العصر الحجري الجديد (من عام 5000 إلى عام 4000 ق.م. تقريبًا) مجموعتان مختلفتان من الناس تعيشان حول شواطئ البحيرة وهما الفيوميون لأوائل العصر الحجري الجديد والموريون لأواخر العصر ذاته وهي الفترة التي ازدهرت فيها المجتمعات الزراعية الأولى التي شهدتها الفيوم. ويرتبط تاريخ الفيوم بتاريخ المراحل الأولى لبحيرة قارون الحالية ارتباطًا وثيقًا. فكانت هذه البحيرة في البليستوسين أكبر بكثير مما هي عليه الآن وتم العثور على مخازن كبيرة شمال هذه البحيرة استخدمت لتخزين سلال القمح ويعود تاريخها إلى فترة ما قبل الفراعنة.
كانت الفيوم خلال الدولة القديمة (من عام 2686 إلى عام 2181 ق.م. تقريبًا) معروفة باسم "تاشي" أو "شي ريسي" (أي البحيرة الجنوبية) وكانت تعتبر تكريمًا لإله التمساح سوبك. وشيد أول هرم في مصر الحقيقي على حدود الفيوم في ميدوم وبنى كثير من ملوك الدولة الوسطى أهراماتهم في ظل هذا النموذج الكيبر. وكانت الفيوم خلال الدولة الوسطى تنبض بالحياة وأدت الجهود المبذولة للسيطرة على منطقة المستنقعات إلى تشييد بعض المباني والتماثيل الرائعة، بينما لم تبق اليوم سوى آثار قاعدتي تمثالين ضخمين كانا قائمين في فترة ما في بيهمو.
ازدادت أهمية هذه المنطقة خلال حكم أمنمحات الأول وهو أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة وذلك بفضل خطته الذكية لتنظيم فيضانات النيل باستخدام الفيوم مستودعًا. وكانت تجري في ذلك الوقت ترعة طبيعية تربط نهر النيل ببحيرة قارون وكان المسلمون يعتقدون أن يوسف وهو إحدى الشخصيات المذكورة في الكتاب المقدس كان قد فتحها، الأمر الذي يبرر اسم ترعة يوسف أو بحر يوسف، كما أنهم كانوا يعتقدون أن يوسف شيد أول سد في العالم باللاهون لتنظيم تدفق المياه. ثم خلال العصر الفرعوني، أصبحت الفيوم أخصب منطقة زراعية وأحب أمنمحات الثالث هذه المنطقة بدرجة أنه ترك هرمه بالدهشور لبناء تماثيله الضخمة في بيهمو ونارموثيس وكذلك معبد تكريمًا لسوبك وهرمه الجديد واللابرنت المشهور في هوارة. وانظر في هذا الشأن إلى الخريطة التي تحمل عنوان "المواقع الفرعونية واليونانية الرومانية القديمة في الفيوم ".
عرفت الفيوم كـ"بركة الماء" قبل أن سماها بطليموس "أرسينوي" تخليدًا لزوجته الثانية، التي كانت أخته في الوقت نفسه. وجرى تقسيم هذه المدينة إلى عدد من المراكز ونشأت مستوطنات جديدة حول الفيوم بما فيها، على سبيل المثال، كرانيس وباكياس و فيلادلفيا وديونسيوس. وكانت هناك خلال الحكم اليوناني 114 قرية في الفيوم في حين لم تكن توجد سوى ستون عام 1809. وكان يسود على علاقاتها نوع من المنافسة تحولت أحيانًا إلى عدوانية، إذ كانت قرى تسرق القمح والتربة الخصبة وحقوق المياه من بعضها بعضًا مثلها مثل المدن اليونانية التي كانت دولاً في الوقت ذاته والمدن الأوروبية خلال القرون الوسطى والأمم الحديثة في كل مكان. عند وصول بطليموس يورجيتس الثاني إلى الحكم، كانت الفيوم تمر بفترة من الانحطاط وكان استصلاح الأراضي جاري التنفيد، بينما كانت الترع تنسد ويتناقص عدد السكان. أما خلال حكم بطليميس الثاني، فقد استقر في الفيوم قدماء حرب يونانيون ومقدونيون وغيرهم من الأجانب الذين بدؤوا يحسنون أساليب الري تدريجيًا، كما استخدموا الاختراعات اليونانية مثل المسمار القلاووظ لـ"أرخميدس" والساقية لري الأراضي الزراعية.
وخلال الحكم الروماني الذي امتد من سنة 30 ق.م. إلى سنة 323 الميلادي، كان على مصر إنتاج ثلث من القمح الذي كانت روما في حاجة إليه سنويًا وبما أن الفيوم كانت تحتوي على 10% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة، أصبحت مصدرًا من القمح مهمًا للغاية بالنسبة إلى الإمبراطورية الرومانية، غير أن روما فرضت على فلاحي الفيوم المتمردين قدرًا من الضرائب زادت عما كانوا يستطيعون استحماله، علمًا أيضًا بأنهم يتقاضون رواتب غير كافية. وفي نهاية المطاف، تراجع عدد سكان الفيوم واُستعبدوا. وفي عام 165، اجتاح الطاعون مصر وعانت القرى الرئيسية بالفيوم معاناة شديدة. وفي غضون القرنين الثالث والرابع، أصبحت مواقع مثل فيلادلفيا وباكياس خالية من السكان، في حين شهدت الفيوم وجودًا كثيفاً من المسيحيين في الفترة ما بين عامي 323 و642. وكانت توجد في الفيوم خلال القرون الوسطى 35 ديرًا، معظمها منعزل في الصحراء.
تعد "بورتريهات الفيوم" أول مثال لهذا النوع من الفن تم العثور عليه في الفيوم. وكانت هذه البورتريهات الواقعية التي تعود إلى الفترة ما بين القرنين الأول والثالث الميلاديين توضع ملفوفة بالضماد على وجوه المومياوات وبالرغم من إزالة كثير من هذه البورتريهات من على وجوه مومياواتها، فإنها توفر كثيرًا من المعلومات حول ملابس المصريين الأغنياء وزينتهم وملامحهم الجسدية.
بُني بالفيوم خلال العصر الإسلامي (642 – 1798) عدد كبير من المساجد القديمة والبنايات ذات صلة بالمياه مثل الجسور ويمكن ذكر المسجد المعلق ومسجد قايتباي باعتبارهما مثالين جيدين للأسلوب المعماري الإسلامي بالفيوم. كما تم التعرف بالفيوم على طريقين قديمين رئيسيين أحدهما هو أقدم الطرق المرصوفة في العالم، إذ إنه يعود إلى الدولة القديمة أو إلى العصر الحجري الجديد. أما ثانيهما، فهو طريق الإسكندر الأكبر، الذي يؤدي إلى سيوة مرورًا بواحات الصحراء الغربية ووادي الريان والبحرية وقصر وزابو وسترة. وفي هذا الشأن، انظر إلى الخريطة التي تحمل عنوان "المواقع القبطية والإسلامية القديمة في الفيوم".
سُجل بالفيوم أكثر من 55 موقعًا يعد جزءًا من التراث القديم، كما ساهمت الفيوم مساهمة مهمة في فهم تاريخ الإمبراطوريات الكبيرة بهذه المنطقة مثل الفراعنة واليونانيين والرومان والإمبراطورية الإسلامية.
|
|
|
|
|
|